لا تعليق
********
الطريق إليها لم يكن طويلا ، هذا
اليوم مرسوم من قبل كلما وقفت مع إحداهن استقبلتنى بحفاوة وانتهى عملى معها سريعا
، تعجبت ، وعلقت للمُراجع بأن هذه المنطقة من أفضل المناطق التى عملت بها ، لم يبق
لى سوى واحدة فقط يارب تكون مثلهن حتى أعود لبيتى باكرا ، الشارع الذى تسكن فيه
طبقا للعنوان يمتد للداخل بعض الشئ سرنا حتى نهايته ودلفنا نحو شارع جانبى متسع
كان البيت فى بدايته قال المُراجع هو ذا : توقفنا وطرقنا الباب ، طلت علينا إمرأة
من البلكون ، سألنا عن الست ( سيدة ) ردت بتأفف : خرجت
ترجع امتى ؟
مش عارفة ملهاش مواعيد بتخرج مش بنعرف رايحة فين بس عموما إما عند بنتها أو
فى الجامع
طريقة الحديث تنبئ عن عدم الوفاق
فى تليفون نقدر نكلمها عليه :
معرفوش
بعد إلحاح
أديك تليفون بنتها
اوك مفيش مانع تسلمى
طلبت نمرة الإبنه وعرفت منها مكان الأم وطلبت منها رقم تليفونها ، فى حوارى معها عن ماهية إحتياجى لها توصلت بالفعل
للعلاقة المتوترة بين الأم وزوجة إبنها التى أطلت علينا بوجهها ، إنصرفتُ وعدت بعد
يومين فى التاسعة صباحا قبل خروجها من المنزل كما قيل لى
وصلت عند الباب وجدت إمرأة نحيلة قسمات وجهها تبعث براحة نفسية لمن يقابلها
ولكنها حادة فى نفس الوقت لم يترك الزمن علاماته عليها ولكن ترك همّا تبوح به
عيونها العسلية ،تحمل فى يدها طبق معجون به بعض الأسمنت ترمم به سلمة مكسورة .
صباح الخير يا أمى
صباحك هنا يا بنتى إتفضلى ، أغسل يدى واجيلك ، طفل صغير يقف بجوارها يتشبث
بثيابها تحاول التملص منه ولكنه يأبى إلا أن يذهب معها ، صنبور الماء ليس بعيد فهو
تحت السلم يصب على حوض قديم ، جلستُ على حافة السلمة السليمة ، أرادت أن ندخل
حجرتها التى يقابلنا بابها القديم مباشرة ولكنى رفضت بإصرار وقلت لها سوف ننتهى
سريعا لا حاجة للدخول .
بدأتُ بالإسئلة المعتادة عن الاسم والسن والتعليم والوظيفة ، وعندما سألتها
عن بيتها وصفة إقامتها فيه دُست على جرح جعلنى أغلق الأوراق قالت :
شوفى يا بنتى أنا ححكيلك بعيد عن الورق وأنتِ أكتبى اللى تشوفيه صح .
أنا بقالى 3 شهور مطرودة من أوضتى دى هى دى بس اللى كنت عايشة فيها ، مرات أبنى طردتنى منها لما كتبت البيت باسم
أولادى ، وسكنت برة لكن الناس اللى أكلت وشهم علشان كده رجعت وزى ما أنتِ شايفه ، وفتحت الباب ، الأرضية من ألاسمنت ، والجدران
بلون طوبها الأحمر ، سرير صغير بجواره شعلة
ومروحة قديمة أشارت إليها وقالت : حتى دى مش محتاجاها أنا كل يوم أصحى
وأفطر وأروح الجامع هناك مراوح ربانى وهوا ريحته من الجنة أقعد لحد صلاة الظهر
وارجع اتغدى أى لقمة ، أو أجيب معاى طبق كشرى ، وأنام شوية وأروح على العصر وأفضل
هناك لصلاة العشا وأرجع أنام علشان أقوم لصلاة الفجر ، مفيش غير دا اللى يصبرنى .
على معاملة أولادك
لا دى هينة خلاص أتعودت على جحادة نسوانهم وضعفهم ربنا يشفيهم يا ريتهم
سُلام ، مفيش غير لسان وبس ، شايفة الولد دا أبن أبنى الكبير بيحبنى يسبهم ويجينى
يقعد وينام معاى ولما يسمع كلامهم عنى يزعق لهم ، والله يا بنتى ما بطلب منهم مليم
ولا لقمة ولا بتغسلى هدمه ، لكن حقول أيه قلة ألاصل .
ربنا يديك الصحة ومتحتاجيش لحد أبدا
الله ينور عليكِ هى دى اللى بطلبها من ربنا فى كل صلاة الصحة والستر والصبر
عودة مرة أخرى لكلمة الصبر
استدركت
أبنى الوحيد اللى كان نور عينى كان بيعشقنى عرفتى يعنى أبن يعشق أمه ، عندك
ولاد ؟
اه لسة فى التعليم ربنا يجعلك عشقهم فى الدنيا يا بنتى
يارب
أبنى أحمد كان ناوى يخطب لولا القدر وحكت لى
وقف على باب بيته يحدوه الأمل فى القادم ، أخذ نفسا عميقا ونظر على البيوت وعلى المارة فى الشارع يسلم على
الغادى والرائح ، زفر زفرة قوية وحدث نفسه لابد وأن يترك هذا الكرسى لغيره ، كفاه
ما أخذ من أعمارنا ، أريد أن أعيش مثل باقى الناس ، أن أحصل على وظيفة محترمة
تعيننى على الحياة ، وتساعدنى فى التقدم لفتاتى التى أحبها لقد انتظرتْ طويلا
واحتملت فقرى وقلة حيلتى ، جاءه صوت أمه من الداخل مناديا : أحمد إلى أين يا ولدى
، مفيش أمان اليومين دول ، الأسلم تبقى هنا معاى ، التفت لها وفى نظرته حزن لم
تعرف له ماهية وغلف صوته شجن آسر قائلا: لا يا أم لقد ذهب كل رفاقى ولم يعد سواى
لماذا لا اذهب معهم – الرب واحد والعمر واحد – ولكن إلى متى سوف أظل على هذه الحال
لقد تعبتِ يا أمى ، مات أبى وتركك وحدك بدون معاش ، هل أسرد ما عانيته ، الذى اعرفه أنا وانت وأخوتى جيدا كفاك من العمل
والتعب حان الوقت كى ترتاحى ونرتاح جميعا مما يجثم على صدورنا من فقر ومرض واهمال
وفساد .
التفت نحو الشارع مرة أخرى برقت عيناه وهتف بأعلى صوته ..عيش حرية الشعب ماهوش هافية .. وسار معهم يهتف بكل ما
أوتى من عزم وذهب عن عيون أمه التى تبعته حتى غاب فى الزحام .
مرت الأيام ، إنتهت الثورة بحلوها ومرها ولم يعد أحمد ، الأم تسأل ولا مجيب
وسارت الأيام رتيبة بلا طعم ، دارت على المستشفيات والأقسام والمشرحة ومقابر الصدقة وعندما يأست سلمت امرها لله وعكفت
على المسجد والدعاء ، حتى أتاها الخبر توجد ملابس لشاب عند الحاج فلان بمنطقة ابو
المعاطى دفنه فى مقابرهم ، يا ألله يا رحيم ، لما مات أبوك يا أحمد كنت صغير عندك
خمس سنوات ، كنت آخذك العمل معى فى العيادة ، شهدت تعبى وتحملت غضبى عليك حركتك
الدائمة كانت تثير زبائن العيادة وأحيانا كانت تُسليّهم ، أبتسامتك كانت تهوّن
علىّ ، وعندما اشتد عودك عاونتنى فى
العيادة ولم تشتكِ ولم يخزيك عمل أمك ، حصلت على الدبلوم واستعملت قوة جسدك فى العمل
، عمل كل شئ واى شئ ، لم تتمرد يوما ولم تغضب على كما يفعل اخواك ، لماذا تمردت هذا
اليوم وخرجت وتركتنى متعلقة بخيالك حتى غبت بين الحشود ، كنت تخفى عنى ما تعانيه
في داخلك من ألم الفقر والحاجة .
رحت على هناك شفت هدومه اللى خرج بيها من البيت مليانه دم هى الدليل الوحيد
على أنه احمد مكنش معاه بطاقة لما لقاه الحاج ، ضربوه على الطريق وهو راجع لبيته
علشان يغير هدومة وياخد حاجات لزمايله ، كان راجع فى عربية واحد صاحبه أخدوها منه
وضربوه محدش قدر يسعفه ، توقفت لحظات ثم
أردفت ، مات ، لولا الراجل الطيب دا شافه
وأخده معرفش كان جراله أيه ، عارفه أنا مبسوطه قوى أنى لقيته وعرفت مكان دفنته
عرفت ان جسمه سليم متبهدلش ، وعرفت أن ربنا بيحبنى ومسبنيش أتعذب كتير ،وأنه عايز
يختبر صبرى وإيمانى
الحاج الكريم دا بعتنى عمره على حسابه دعيت كتير أن ربنا يصبرنى على فراقه ويدينى
الصحة والستر بس ، عارفه ليه علشان هو اللى كان بيحمينى فى ضعفي ،أمسكت بيدى وضغطت
عليها وقالت: شفتى بقيت قوية ازاى رغم سنى دا وحفضل كده لحد ما اموت وأروح له قريب
إن شاء الله ، أنا فى أنتظاره .
فى الأوراق قلت : لا تعليق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق