مدونة تهتم بحكايات مرت بها صاحبتها في الواقع ربما تمس بعض الأفراد وتتوافق معهم وربما لا ولكنها تحكي واقعا من الحياة

LightBlog

الأحد، 22 مايو 2016

جدار بيتنا

جـــدار بـيــتـنــــــــــا..


كتبه غادة هيكل


العروس التي انتقلت اليوم إلى بيت جدي قريبة له من بعيد ، رآها الابن فتعلق بها ، ابنة الرابعة عشر ، ولكن جسدها الممتلئ ، وصدرها النافر جعلها تبدو أكبر سنا ، لذلك عندما رآها عامل الصحة كتب لها شهادة ميلاد تفوق سنها بثلاث سنوات ، وعليه تزوجت ، وأنجبت ستة من الأطفال مات منهم صبى صغير صاحب عامين فقط.
قالت عنه جدتى أنه كان مثل فلقة القمر ليلة أربعة عشر ، كان ابن موت ! سبقته بنت وتلته بنت أخرى فكان نصيبها التبكيت ، واللوم لم ينقذها سوى حمل سريع يعيد لها الثقة المفقودة بمولود ذكر أسموه محمود ،أقيمت له الاحتفالات بالسبوع وذبحت العقيقة المناسبة ، وتلاها الاحتفال بالطهارة المنشودة وكيف لا والولد هو السند ، بيتنا الذى انتهى الآن وحل محله عمارة من ثلاث طوابق مستعدة لتلقى الرابع والخامس ، كان كنسمة البحر الباردة فى نهار الصيف الحار ، فالطوب اللبن الذي حمله الرجال ووضعوه جنبا إلى جنب يتخلله بعض أفرع الشجر أو قطع النخل حتى يعطي فراغات داخلية يتخلل منها الهواء الرطب في الصيف كمراوح ربانية متقنة الصنع ، والمنور الذي يتوسط الدار تقطعه بعض الأخشاب حتى لا يقع منها الصغار ، يرسل نوره ونسمات هوائه ليلا ، وتتخلله خيوط أشعة الشمس الدافئة فتشيع الدفء في صحن الدار نهارا ، بينما تقوم أفران الخبيز بهذا العمل فى الليل ، كان لنا ثلاث قاعات في البيت واحدة فوق السطح واثنتان بالأسفل ، المندرة للضيوف ، وقاعة الفرن لصناعة الخبز والمبيت ، والتي فوق السطح للخزين ، كان بالبيت ثلاثة أعمام معنا انتقل الثلاثة وبقي أبي كوريث لجدب يحمل عبء الضيافة والعزومات الرمضانية ، وأكل الصاري في المولد النبوى الشريف ، وغيرها من التابعين والعاملين ، كانت أمي خير عون له في تحمل تلك الأعباء الكثيرة ، ولكن مع مرور الزمن زحفت المباني الحديثة على الدور وعندما اراد أخي أن يتزوج أرادت العروس شقة لها منفصلة ، فكان لابد من هدم البيت الواسع ، بجدرانه التي ينام عليها الفرد ويتقلب يمينا ويسارا دون أن يقع ، بسقفه المصنوع من الخشب وقطع النخل ومغطى بالجريد والبوص ، بطاقاته التي تخترق الجدار فكانت سريرا للطفل الرضيع وسط الدار بلا خوف من وقوعه ، بأرضيته الترابية التي تستمتع برش المياه فوقها كل يوم ، بروح ساكنيه التي غادرت مع أول معول لهدم الجدار ، بسنين العمر التي مرت فحملت أبي إلى القبر ، وأسكنت أمي المرض ، بأخي الذي بنى طوابقه الثلاثة لأولاده الثلاثة ، ومحا معها كل نسمات الهواء التي استبدلها بمراوح السقف وقطع السيراميك المزينة..
كل هذا حدث في بيت أبي وأنا الآن أراه من جديد ، يملأ عيوني الدمع وتسابقني الذكرى لرؤيته ولكن هيهات فمع أول خطوة لعتبة البيت أئن من سخونة الجدار .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق