جـــدار بـيــتـنــــــــــا..
كتبه غادة هيكل
العروس التي انتقلت اليوم إلى بيت جدي قريبة له من بعيد ، رآها الابن فتعلق بها ، ابنة الرابعة عشر ، ولكن جسدها الممتلئ ، وصدرها النافر جعلها تبدو أكبر سنا ، لذلك عندما رآها عامل الصحة كتب لها شهادة ميلاد تفوق سنها بثلاث سنوات ، وعليه تزوجت ، وأنجبت ستة من الأطفال مات منهم صبى صغير صاحب عامين فقط.
قالت عنه جدتى أنه كان مثل فلقة القمر ليلة أربعة عشر ، كان ابن موت ! سبقته بنت وتلته بنت أخرى فكان نصيبها التبكيت ، واللوم لم ينقذها سوى حمل سريع يعيد لها الثقة المفقودة بمولود ذكر أسموه محمود ،أقيمت له الاحتفالات بالسبوع وذبحت العقيقة المناسبة ، وتلاها الاحتفال بالطهارة المنشودة وكيف لا والولد هو السند ، بيتنا الذى انتهى الآن وحل محله عمارة من ثلاث طوابق مستعدة لتلقى الرابع والخامس ، كان كنسمة البحر الباردة فى نهار الصيف الحار ، فالطوب اللبن الذي حمله الرجال ووضعوه جنبا إلى جنب يتخلله بعض أفرع الشجر أو قطع النخل حتى يعطي فراغات داخلية يتخلل منها الهواء الرطب في الصيف كمراوح ربانية متقنة الصنع ، والمنور الذي يتوسط الدار تقطعه بعض الأخشاب حتى لا يقع منها الصغار ، يرسل نوره ونسمات هوائه ليلا ، وتتخلله خيوط أشعة الشمس الدافئة فتشيع الدفء في صحن الدار نهارا ، بينما تقوم أفران الخبيز بهذا العمل فى الليل ، كان لنا ثلاث قاعات في البيت واحدة فوق السطح واثنتان بالأسفل ، المندرة للضيوف ، وقاعة الفرن لصناعة الخبز والمبيت ، والتي فوق السطح للخزين ، كان بالبيت ثلاثة أعمام معنا انتقل الثلاثة وبقي أبي كوريث لجدب يحمل عبء الضيافة والعزومات الرمضانية ، وأكل الصاري في المولد النبوى الشريف ، وغيرها من التابعين والعاملين ، كانت أمي خير عون له في تحمل تلك الأعباء الكثيرة ، ولكن مع مرور الزمن زحفت المباني الحديثة على الدور وعندما اراد أخي أن يتزوج أرادت العروس شقة لها منفصلة ، فكان لابد من هدم البيت الواسع ، بجدرانه التي ينام عليها الفرد ويتقلب يمينا ويسارا دون أن يقع ، بسقفه المصنوع من الخشب وقطع النخل ومغطى بالجريد والبوص ، بطاقاته التي تخترق الجدار فكانت سريرا للطفل الرضيع وسط الدار بلا خوف من وقوعه ، بأرضيته الترابية التي تستمتع برش المياه فوقها كل يوم ، بروح ساكنيه التي غادرت مع أول معول لهدم الجدار ، بسنين العمر التي مرت فحملت أبي إلى القبر ، وأسكنت أمي المرض ، بأخي الذي بنى طوابقه الثلاثة لأولاده الثلاثة ، ومحا معها كل نسمات الهواء التي استبدلها بمراوح السقف وقطع السيراميك المزينة..
كل هذا حدث في بيت أبي وأنا الآن أراه من جديد ، يملأ عيوني الدمع وتسابقني الذكرى لرؤيته ولكن هيهات فمع أول خطوة لعتبة البيت أئن من سخونة الجدار .
كتبه غادة هيكل
العروس التي انتقلت اليوم إلى بيت جدي قريبة له من بعيد ، رآها الابن فتعلق بها ، ابنة الرابعة عشر ، ولكن جسدها الممتلئ ، وصدرها النافر جعلها تبدو أكبر سنا ، لذلك عندما رآها عامل الصحة كتب لها شهادة ميلاد تفوق سنها بثلاث سنوات ، وعليه تزوجت ، وأنجبت ستة من الأطفال مات منهم صبى صغير صاحب عامين فقط.
قالت عنه جدتى أنه كان مثل فلقة القمر ليلة أربعة عشر ، كان ابن موت ! سبقته بنت وتلته بنت أخرى فكان نصيبها التبكيت ، واللوم لم ينقذها سوى حمل سريع يعيد لها الثقة المفقودة بمولود ذكر أسموه محمود ،أقيمت له الاحتفالات بالسبوع وذبحت العقيقة المناسبة ، وتلاها الاحتفال بالطهارة المنشودة وكيف لا والولد هو السند ، بيتنا الذى انتهى الآن وحل محله عمارة من ثلاث طوابق مستعدة لتلقى الرابع والخامس ، كان كنسمة البحر الباردة فى نهار الصيف الحار ، فالطوب اللبن الذي حمله الرجال ووضعوه جنبا إلى جنب يتخلله بعض أفرع الشجر أو قطع النخل حتى يعطي فراغات داخلية يتخلل منها الهواء الرطب في الصيف كمراوح ربانية متقنة الصنع ، والمنور الذي يتوسط الدار تقطعه بعض الأخشاب حتى لا يقع منها الصغار ، يرسل نوره ونسمات هوائه ليلا ، وتتخلله خيوط أشعة الشمس الدافئة فتشيع الدفء في صحن الدار نهارا ، بينما تقوم أفران الخبيز بهذا العمل فى الليل ، كان لنا ثلاث قاعات في البيت واحدة فوق السطح واثنتان بالأسفل ، المندرة للضيوف ، وقاعة الفرن لصناعة الخبز والمبيت ، والتي فوق السطح للخزين ، كان بالبيت ثلاثة أعمام معنا انتقل الثلاثة وبقي أبي كوريث لجدب يحمل عبء الضيافة والعزومات الرمضانية ، وأكل الصاري في المولد النبوى الشريف ، وغيرها من التابعين والعاملين ، كانت أمي خير عون له في تحمل تلك الأعباء الكثيرة ، ولكن مع مرور الزمن زحفت المباني الحديثة على الدور وعندما اراد أخي أن يتزوج أرادت العروس شقة لها منفصلة ، فكان لابد من هدم البيت الواسع ، بجدرانه التي ينام عليها الفرد ويتقلب يمينا ويسارا دون أن يقع ، بسقفه المصنوع من الخشب وقطع النخل ومغطى بالجريد والبوص ، بطاقاته التي تخترق الجدار فكانت سريرا للطفل الرضيع وسط الدار بلا خوف من وقوعه ، بأرضيته الترابية التي تستمتع برش المياه فوقها كل يوم ، بروح ساكنيه التي غادرت مع أول معول لهدم الجدار ، بسنين العمر التي مرت فحملت أبي إلى القبر ، وأسكنت أمي المرض ، بأخي الذي بنى طوابقه الثلاثة لأولاده الثلاثة ، ومحا معها كل نسمات الهواء التي استبدلها بمراوح السقف وقطع السيراميك المزينة..
كل هذا حدث في بيت أبي وأنا الآن أراه من جديد ، يملأ عيوني الدمع وتسابقني الذكرى لرؤيته ولكن هيهات فمع أول خطوة لعتبة البيت أئن من سخونة الجدار .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق