مدونة تهتم بحكايات مرت بها صاحبتها في الواقع ربما تمس بعض الأفراد وتتوافق معهم وربما لا ولكنها تحكي واقعا من الحياة

LightBlog

الأحد، 27 أكتوبر 2019

يوميات باحث ميداني - الجزء الثامن


ما زالت البطلة تعيش كعب داير تبحث عن مخرج لها في حكاوى الناس

يوميات باحث ميداني الجزء الثامن

إقرأ أيضا: يوميات باحص ميداني- الجزء السابع

كانت تحدث نفسها دائما بحديث لا يفهمه ، تهمهم بكلمات غريبة خشى أن تكون سحرا يُعمل له ، لأنه يحبها ويعشقها كصوفى أحب الآخرة وهام بها فعشقته الدنيا لتزيل عنه كل أدرانها باتقاء شيطانها فامتحان الدنيا أقسى ما يقع على قلب الرجل إذا تصوف ، ولكنه عشق جمالها وحلاوة لسانها ، وطراوة ولين عودها وتخايل الفتيان فى الناحية بها ، وهى فضلته عليهم جميعا ، ولكنها دائما تهمهم ودائما ينصت ولا يسمع ، غارت منها حماتها وزوجات الأخان الأكبر سنا ، لأن عيون رجال البيت لا تنفك تلازمها إذا سارت أمامهم ، وأنوفهم تمتد كلما شمت رائحتها الذكية عن بعد ، وعندما ألمحت له أمه بذلك كتمها فى نفسه ، وهبت رياح الغضب تثير فى نفسه الهواجس ، وهى ما زالت تتمتم بكلمات غير مفهومة ، لعلها تسحر الرجال فقط ، لذلك لا يرون سوى جمالها وتعمى عيونهم عن شرها ، وصفر فى أذنه أن يقتلها كى يستريح من شرها ويهدأ فوران البيت وتهدأ نفوس الحريم به ، ولكنه كلما اقترب منها وهى نائمة ممدة على سريرها يفوح منها رائحة المسك ينتشى لها ، ويطوق ذراعها رقبته فينحنى لملكته ، وتباغته بركلة من رجلها فتبين سماناتها البيض ويرتفع قميصها الشفاف فتعبر عينيه أخاديدها النورانية ويذوب جسده بين قبضتيها ويستسلم اليوم كشهريار ، ثم يعاود الكرة ويشهر سيف مسرور وتعاود الكرة فيستسلم ، أجبرها على لبس النقاب فرضيت ، وأجبرها على عدم الخروج فرحبت ، أجبرها على غلق الشبابيك ، فتنهدت واستسلمت ، وما زالت تهمهم وما زال ينصت ، فرحت فيها نساء البيت فقد كسر سُمها ، وفرحت هى بكونها ملكة والجميع يخدمها ،  فرض عليهن الإتيان لها بكل مستلزماتها مقابل سجنها بالبيت بعيدا عن رجالهن ، وفرضت هى عليهن أن يحملن لها ما لذ وطاب من طعام  من السوق دون تعب ، وأن يتحملن اللف على المحال كى يأتين لها بأجمل القمصان لتعيش ليلها مع حبيبها ، وكن يحملن تلك الأشياء أولا إلى حماتهن وكان الرجال يرون تلك الأشياء وتنطلق من صدورهن الزفرات  ويسبحن فى خيالات الهوى لما يحدث خلف الجدران ، كانت فكرة حجابها عنهن أسوأ ألف مرة من وجودها بينهم ، كن ينتظرن طلتها فقط ، الأن يسيرون إليها بعقولهم وقلوبهم وأرواحهم تحلق حول شبابيك شقتها ، ويهجرن مضاجع زوجاتهن ليلا تحسسا لشم رائحة بخورها تنفذ من خلف الجدران ، وهى تتمتم وهو ينصت .
ثم ننطلق من المضيفة إلى حارة متعرجة إلى شارع أصغر ،إلى زقاق ضيق ثم باب خشبى كبير على يمينه حُجرة ، فقط حُجرة ، بجوارها حُجرة وبجوارها زريبة تفصلها فسَحة ممتلئة بالتراب ،الحمّام  البلدى،  بابه صغير لا يُدخل سوى عصا بها بعض اللحم وليس  إنسانا ، يستخدم فى الراحة وفى الإستحمام كما قال ، الحُجرة بها حصيرة على ألأرض الطينية ،فوقها بطانية خشنة مثل بطاطين الجنود الذين يقضون الخدمة العسكرية برتبة عسكرى ثلاث سنوات بمخلة وبطانية ، وفي الركن باجور الجاز الساكت أبو شرايط ، بعض أرغفة الخبز على صينية قديمة وقطعة من الجبن الأبيض الإسطنبولى ، الحجرة الأخرى تسكنها فتاة وأمها وأخيها ، بها سرير وكنبة وشعلة صغيرة ، وقف المراجع وسط الدار وخلفه الباب الخشبى الكبير الذى يغلق بالضبة كما كانت معظم بيوتات القرية قديما ، وكما حكى عنها خيرى شلبى فى الأوباش عندما أغلق عليهم الإسطبل بالضبة والمفتاح ، نعم هؤلاءأوباش هذا  الزمان ، أو غرابوة خيرى شلبى القادمين من كل صوب لينهلو من خيرات القاهرة ولكنهم لم يجدوا فيها مكان للسكنى فكانت القليوبية ومنطقتى الخصوص وشبرا هى أقرب الأماكن للسكن وارخصها فى بعض الأماكن ، ساكن بمائة جنيه إيجار
وقف المراجع يتلفت حوله ويتساءل،  الأسرة التى معنا فى الإطار ليست موجودة ، والأسر الموجودة حالها لا يسر وليس لديها من أساليب الميعشة سوى حجرة وهلاهيل تسمى أثاث ، وعيشتها ضنك ، فهل نأخذ واحدة منهم ، أم نتركهم لقدرهم ، وإن أخذنا ، من سيكون؟ محمود هذا الولد الفار من الصعيد والذى يعيش وحده ولا يملك من حطام الدنيا سوى جدران أربع ، أم تلك الأسرة البائسة التى ينام ألاخ فيها وتخرج الأم للبيع على الناصية والعمل بالبيوت ، أم البنت التى وضعتها الأم فى فيلا هذا المتيسر على أطراف البلد وتركتها تتلقى نصيبها منذ ستة أشهر ، لا هذه لن نذكرها معنا فالبحث يقر على تواجد أفراد ألأسرة أو من يقيمون معهم لمدة ستة أشهر متتتالية على الأقل ، إذن فلدينا أم وأبن وأبنة ، هم الأفضل حتى يتسنى لنا وضع بعض البيانات عن الأكل والشرب واللبس وغيرها ، أما محمود يعينه ربه على غربته وشقاه ، وهجانة هذا الزمن التى لا ترحم أمثاله من الأنفار الغرابوة .

وانتقلنا إلى
تلك المكنونة عن عيون البشر فقد رافقتنى حتى باب الدار ، دار أهلها ، قائلة:
العمر لحظة ،والحب متعة، إذا اقترنت هذه المتعة بتلك اللحظة فهى منتهى الحياة التى يجب أن يحياها الإنسان ، ظلت سنوات عمرها منذ عرفت أن للأنثى قلب ينبض ، وأن حياتها لابد وأن تقترن بشخص آخر ، ليس أى شخص وإنما هذا الجنس الأخر ، جنس الرجال الذين تواجدوا بكثرة منذ نعومة أظافرها ، جنس إتحد مع الكون منذ الأزل ، إتحد مع الروح والجسد ، مع ألأعضاء البارزة والنوايا الخفية ، إتحد مع الطبيعة من حوله، مع الحيوان والشجر ،وترك مساحة لها فقط  ، حواء، كى تتحد معه ، جزء بسيط ، لو كان الإتحاد معها مكتملا ما ضاق بشر بآخر ، وبالأخص ما ضاق رجل بإمرأة وما خلعت إمرأة رجل من حياتها ، وما تنازل رجل عن إمراته وطلقها وجعلها سبة فى جبينها وجبين المجتمع الذى صار لا يرى ولا يسمع ،لكن يتكلم ويعيب ويشتم كل من أصابه عطب ، تنتحب الصدور وتخرج الآهات مدوية تخترق السما ء تحوقل وتدعى على من كان سببا فى إنزوائها فى بيت أهلها ، لا تخرج إلا لضرورة  وإن خرجت تلبس النقاب الذى يطبق على صدرها ويمنع عنها الهواء النقى ، العمر لحظة والحب متعة والغاية تبرر الوسيلة فهل تجد من يبرر لها إرتمائها فى حضن الحب مرة أخرى لا بل مرة وحيدة وأولى ، المرة الأولى لم يكن حبا ،كان زواجا برغبة الأهل ،هذه المرة حبا له  ولها،  بل متعة لا تضاهيها متعة ولكن الخوف يلازمها ، متعة مع خوف لا تجتمع ، آدم لم يجتمع بحواء إلا بعد أن دخلا كوخهما بعيدا عن الوحوش وطلبا للأمان ، وأنا لا أطلب منك سوى الأمان فهل ترضى ؟، أفزعه رغبتها فى الأمان وهى المطلقة التى غواها وهى المطلقة التى أحبته ، وهى المطلقة التى لفظها المجتمع ، فكر وفكر ثم توارى كالضباع يبحث عن فريسة أخرى ، وعادت هى إلى ركنها المعهود تحمل شكواها إلى السماء وتبث لوعتها إلى النجوم والقمر والأرض الرخوة التى تغرس رجلاها في عتمة الليل رفيق الساهرين .
صرنا نطوف كل أسبوع بمكان، نستمع ونغوص فى حكايا ، نسمع شكوى ، أونرى ابتسامة ، أونشارك فرحا ، أو نواسى حزينا ، هكذا الدنيا يوم لك ويوم عليك ،أترك حالى ، حزينة، سعيدة، مغتاظة، أو حتى غاضبة ، وأندمج كليا مع الأسرة التى أدخُلها ، أتفاعل مع حكيها، وعندما تتشابه قصتينا ،أترك نفسى للحكى ،ربما وجدتْ لدى ما تبحث عنه أو يكون ألمى أكبر مما هى فيه فتحمد الله على ما عندها ، أو ربما ترى آلآم الدنيا لا تساوى سوى هذه اللحظة من الحكى لغريبة قد لا تراها مرة أخرى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق