مدونة تهتم بحكايات مرت بها صاحبتها في الواقع ربما تمس بعض الأفراد وتتوافق معهم وربما لا ولكنها تحكي واقعا من الحياة

LightBlog

الخميس، 31 أكتوبر 2019

يوميات باحث ميداني - الجزء التاسع


يوميات باحث ميداني - الجزء التاسع 
يوميات باحث ميداني- الجزء التاسع

 كانت وحيدة تعدت السبعين من العمر ، تعيش فى منطقة شبرا ، إستقلينا العربة وسألنا عن مسجد(....) كانت المنطقة ملك لوزارة الزراعة ،يقابل المسجد مدخل على شكل هلال ثم شارع متسع  ، سور كبير على يمين الداخل وعلى اليسار ثلاث بيوت ، تخرج أغصان اللبلاب متدلية علي السور فتغطيه ، البيت الثالث على اليمين كان وجهتى الست زوزو من العاملين السابقين بوزراة الزراعة هى وأبيها ، العاملون  بها كانت لهم مساكن تؤجرها لهم الوزارة ، الباب الخارجى خشبى كبير ، طرقته كثيرا ورننت الجرس كثيرا ، أطلت عليّ بوجهها الأبيض الناصع ،تأذت من كثرة رن الجرس وهى تجيب وأنا لا أسمع ، إعتذرت لها، قالت :أرجوك أسرعى فأنا أنتظر عامل الصيانة ليركب لى السخان الجديد ، قلت حاضر خمس دقائق ، من على الباب ، وهمست لنفسى مجرد بداية فالبحث يحتاج إلى أكثر من نصف الساعة ، رن جرس التليفون قالت ألم أقل لك هذا عامل الصيانة ، يريد من يدله على البيت ، وجدتها فرصة قلت خذى الشنطة وسوف أذهب إلى المسجد وأحضره ،ثوان فقط ، لم أعطها فرصة للكلام وانطلقتُ وأتيت به .
 شبرا الخيمة من المناطق المزدحمة بالسكان لأنها من المناطق الصناعية وقريبة من القاهرة وبها العديد من المصالح الحكومية ، كنا نكره العمل بالمدن لأن أهلها دائما فى حالة خوف وقد إزداد خوفهم بعد ثورة يناير ألفين وإحدى عشر ، وأنتشار البلطجة والنهب والسرقة ، فازدوجت الأبواب وأقيم الحديد أمام الباب الخشبى ، ووضعت التليفونات الخارجية ( الدكتافون) وأحيانا نجد العمارة  مغلقة من الخارج ولا نتمكن من الدخول إلى الشقة التى نريد إلا بصعوبة .
 أما فى الأرياف، الأبواب معظمها مفتوحة ،أصحابها يقفون أمامها فهذه تحادث جارتها وهذه تكنس أمام الباب ، وهذه تلاعب أطفالها ، المنطقة التى تعيش فيها ماما زوزو كما أطلقوا عليها تعتبر ريفية متمدنة ، فهى منطقة لها كينوتها الخاصة قيل لى أن المنزل المقابل وهو كبير بعض الشئ وحديقته أكبر بكثير ولكنها مهملة وبها بعض الأعشاب التى نمت عشوائيا ، وهو عبارة عن طابقين ، قيل أن هذا المنزل هو الذى صُوّر فيه فيلم ( دعاء الكروان ) وكان يسكنه أحمد مظهر ، تعيش به الأن إمرأة مسنة إسمها سوسو ، النساء هناك جميلات ،يهتممن بمظهرهن لأنهن من الزمن الجميل الذى كانت المرأة فيه ترتدى المينى جيب وتسرح شعرها على الموضة ، هكذا كانت سوسو عندما رأيتها فى الزيارة الثانية ، إمرأة نحيفة ، ترتدى فستان قصير لونه زهرى وعليه ورود صغيرة مثل صباح فى فيلم الأيدى الناعمة  ، وشعرها القصير يقترب من كتفها فى دلال ، كانت زوزو ترتدى عباءة زهرية اللون وتضع على رأسها إيشارب خفيف ، إطمأنت لى وطلبت منى أن أظل معها حتى تأتى باتعة المرأة التى تساعدها فى قضاء شؤنها وتنظيف بيتها ، هى تخشى من عاملى الصيانة الواقفين بالمطبخ ، بالطبع كانت هذه مُنيتى حتى أتلقى من البيانات ما أريد .
زوزو إمرأة وحيدة لم تتزوج حتى لا تترك أبيها وحده بعد وفاة والدتها ، حاصلة على ليسانس حقوق وعملت بوزارة الزراعة مثل أبيها ولذلك كان لها أحقية الإستمرار فى السكن بنفس الإيجار القليل ، ورغم جمالها ولكنها رفضت كل من تقدموا لها من العرسان، سألتها لماذا، كانت علاقتنا قد توطدت فى فترة قصيرة، جلسنا فى الممر الفاصل بين جانبى حديقتها وبجوار المطبخ الذى يعمل به عُمال الصيانة ، فرحت بوجودى معها وأخذنا نتحدث كل منا عن وحدته ومشاكلها، تسألنى عن وظيفتى  وأسألها عن بياناتها ، وتبادلنا أرقام التليفونات ، بان لى أنها ميسورة الحال وأن معاشها يكفيها وزيادة ،رغم ذلك إشتكت من غلاء الأسعار ،خاصة من سائقى التاكسى عندما تزور أختها بالقاهرة ، أو تذهب إلى الطبيب ، فهى كما كل نساء المعمورة تعانى من وجع العظام والضغط والسكر ، وهى كما كل نساء مصر تحب الشكوى من الظروف المحيطة بها وإلا كيف تسير الحياة بلا شكوى ولا نميمة ، حكت لى عن باتعة وتحملها عبء تربية أبنائها وكيف تحول هذا العبئ إلى إثنين عندما تزوج ولدها الكبير الحاصل على معهد متوسط والذى يعمل يوم ويجلس بجوارها أيام يمد يده لها لتعتنى به وبزوجته وإبنه القادم ،سألتها لماذا لا يعمل بمصنع الأدوات الكهربائية  الكائن على الطريق ، تنهدت على الزمن الذى راح، أيام الشهامة والجدعنة وعدم المنظرة على الناس ، وأنصاف رجال الأعمال الذين عبثوا بأرزاق الناس من أجل تكوين ثرواتهم ، ولم تنس أن تترحم على جمال عبد الناصر ،كانت بحديثها عن المصنع قد أعطتنى فكرة عن ماهية  صاحبه الذى بالصدفة البحته كان إسمه مدرجا ضمن أفراد البحث وقد كان .
ترائى لها أننا ما دمنا نعمل بالقطاع الحكومى ففي أيدينا مفتاح لحل كل المشكلات أو على الأقل أن يصل صوتها وصوت أبنائها الصغار إلى من يستمعون لشكايا الغلابة ، ولكن صوت الطريق كان أعلى من صوتها وصوت زوجها .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق