عصفور دمشقي
***********
تعودت ليلى أن تنام مبكرا وتصحو مبكرا لصلاة الفجر، تؤدى
ما عليها من واجبات مدرسية، تساعد أمها في إعداد الفطور، تلبس ملابس المدرسة وتلحق
بميعادها، نظام كالساعة لا يتوقف مهما حدث، لأول مرة تصاب ليلى بالأرق، جافاها النوم
لساعات، أرجعت ذلك لما شاهدته من دمار أصاب بلد عزيز عليها كانت تقرأ عن جماله في
كتب التاريخ، وجمال الآثار الموجودة به والتى تمتد في عمق الزمن، تنتقل من عصر إلى
آخر، تزداد جمالا وعراقة، إنها سوريا، تحولت من الجمال إلى القبح بأيدى البشر،
أخيرا إستسلمت ليلى للنوم بعد أرق طويل، سمعت ليلى نقر على زجاج الشباك.
دققت النظر، عصفور صغير ريشه ملون بألوان قوس قزح،
إقتربت منه في حذر خشية أن يطير، بهدوء فتحت الشباك، دلف العصفور إلى الحجرة،
تعجبت ليلى من جرأة هذا العصفور، إنه لا يخافها، ينظر إليها بعينيه الجميلتين،
يحلق بجناحيه، يطلق صوتا عذبا كصوت الناي الحزين، إقتربت منه، فتحت يدها، حط على
كفها الصغير.
سألته من أنت،
ومن أى الأمكان جئت؟ لم يرد عليها، تركها
وحلق عاليا، ثم تحول إلى فتى جميل يشبه علاء الدين في الحواديت، يقف على بساط
الريح، بسط لها يده، وضعت كفها فى كفه، حملها معه على بساطه، حلقا بعيدا، بين
السجاب والنجوم المتلألأة، كانت تجوب بعينيها، إعتراها بعض الخوف من الظلام، ثم
اطمأنت عندما رأت تلك النجمة تصاحبهما، تنير لهما ظلام الليل، من بعيد ترائ لها
وهج يشع نورا كشمس الصباح، أشار لها العصفور الشاب نحو قبة ضخمة، ظنتها قبة المسجد
الأقصى، إنشرح صدرها، عندما اقتربت رأت القبة مغايرة، عرفت على الفور أنها في
سوريا، بالأخص في الجامع الأموي.
أقدم وأعرق مكان
لإقامة الشعائر الدينية، بُني وجٌددعلى مر العصور قبل وبعد الإسلام، لم تتمكن من
التحكم في عبرات فرت منها رثاءً على حاله الأن ، تمنت لو تراه حقيقة منذ جدده
الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك ، وكساه وزينه بالفسيفساء والمنمنمات والنقوش،
أفضل ما زينت به المساجد في تاريخ الإسلام، نظرت إلى عصفور بعيون حزينة، أغمضت
عينيها، وجدت نفسها فى باحة المسجد ألأموي، وقفتْ أمام قبة الوضوء ، توضأتْ، و
دعتْ الله أن ينشر السلام في ربوع ألأرض، توجهتْ إلى محراب مَذْهَبِ بني حنيفة للصلاة، سارتْ على أرضه الرخامية، هالها نقوشه الجميلة
على الجدران، متعت نظرها بتلك الألوان الزاهية، ثم توجهت إلى حلقات العلم حول
السوارى، وحلقات قراءة القرآن - تسمى الكوثرية-، وتعليمه للصغار.
استمعت إلى أعذب
الأصوات وأجملها، ثم طفتْ بأبوابه الأربع على عجل، كان صحن المسجد يعج بأناس من كل
الأطياف، أطفال يلهون، ورجال يُصلون، وشباب يتسامرون، وآخرين يدرسون، على مرمى
البصر شعبة من الرجال ذوى الهيبة يخطبون فى الناس لحماية المسجد من الغازيين، يا
له من مشهد! هذا القاضى الذي يحكم بين المتخاصمين والكل يمتثل، على مرمى البصر
بستان من الورود ،زاهية ألوانه، تفوح منه رائحة الياسمين، ألأطفال يمرحون في سعادة
وبراءة، تمنت ليلى أن تلعب معهم، ، تستمتع بطعم الفاكهة الطازجة، رنت ببصرها
قائلة: مالى أرى هذا الطفل باكيا، يلتجأ إلى جدار يحميه، يراها، يتعلق بطرف البساط، يجذبها إلى أسفل،
يحاول عصفور الطيران، أصحوا من نومي فزعة، متشبثة بملاءة السرير، أجرها جرا، أستتر
خلف المكتب الصغير، أسمع نقرا على الشباك، ألمح عصفورا حبيسا بين ضلفة الشباك،
أحرره، يحلق بعيدا، وصوت التلفاز يخبر عن قذيفة جديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق