يوميات باحث ميداني"السؤال"
إقرأ أيضا: يوميات احث ميداني الفصل الأول
السؤال عن حياز الأسرة لوسائل الإنتقال
والإتصالات والأجهزة المنزلية ، ولا يخلو بيت من ثلاجة وغسالة وموبايل وتليفزيون ،
ولن ننسى بطاقة التموين إذا كانت الأسرة لها بطاقة أم لا ، ولعل هذا البحث قد أفاد
وزراة التموين فى فلترة الكثيرين من البطاقات فنكون قد أضرينا ببعض من لا تعرف
الوزراة حالاتهم من خلف الجدران المغلقة عليهم ، لأن البعض منهم يعيش فى بيت مِلك
ولديه الأجهزة الكهربائية جميعا ولكنه على المعاش والبطاقة تلك هى التى تقيه شر السؤال
لأن المعاش لا يكفى أدويته .
يحضرنى فى هذا
السياق سؤال أحد الزملاء فى الجهاز وقد بقيت له شهور على المعاش من أين سوف تعيش ومعاشك
لن يكفى إفطار بناتك قال: أبى مازال حى وله معاش وسوف يساعدنى فى معيشتى !!!!!
بعد الإنتهاء من
هذه البيانات الأساسية فى البحث ننتقل إلى أوجه الإنفاق ، وهنا تأتى مهارة السؤال
والإستفادة من إرتفاع الأسعار فى كل شئ بدأ من الطعام والشراب وحتى المعسل الذى نسأل
عنه فى حال كان هناك مدخن داخل الأسرة ، ومن المصادفات الجميلة إذا وجدت من تُدخن
داخل الأسرة ، قليل فى المناطق الريفية من
تدخن من النساء ، وكان من حظى لدى أول أسرة دخلتها وقابلتنى بكل ترحاب أبنة الزوجة
حُسنة ثلاثينية خمرية اللون ، مهرة حرِنة
، كلها توق، تضج من عيونها الشهوة وتطفئها بسيجارة، تأخذ منها نفسها عميقا وتحبسه
ثم تطلقه فى زفرة واحدة كأنها تنين ينفث نارا ، يريد أن يحرق كل من حوله ، الأيام
التى جمعتها به ، والأيام السوداء التى عاشتها معه ، ثم الأيام التى أعادتها إلى
بيت الحريم مرة أخرى ، نار السيجارة ولا نار زوجة أبيها ، هكذا ردت أمها ذات الشعر
المضفور فى جدائل كثيفة تهتز على صدرها الممتلئ ، أرادت ظل راجل فتزوجت هذا الذى لا ينش ولا يهش، تزوجته
وعائلته وبيته الخاوى ومعاشه الضئيل ،تعيش على معونات الخارج التى انقطعت بعد
الثورة ، من كرتونة الطعام وحتى بطاطين الشتاء وقماش الكسوة فى الصيف
لم يكن لهن دور
فى الثورة كن يتفرجن عليها من خلال التليفزيون كغيرهم من الناس ، كانت آمالهم في
الحياة بسيطة ، يكفيهم مأوى وبطانية وطعام يُعلى مزاجهم عندما يلوكونه فى أفواههم
، فهم يعرفون العيشة ، وأنها لا تدوم لأحد فيأخذون منها ما يسعدهم ويرسم الضحكة
على وجوههم ، ويتكلمون بما يحقق مصالحهم ، ويعرفون من يعطيهم ، ويقفون مع من
يهاديهم ، هؤلاء نفر من الناس الطيبين .، الذين أخذتهم متاهة الحياة فى صمت ، لا
يشعر بهم سوى أنفسهم ، ودعاء يلهث وراء الستر ، وظل رجل ولا ظل حيطة ، ولقمة هنية
تكفى مية .
نعود إلى البحث الذى نلهث وراءه ونطالب بإستكمال بياناته
على أكمل وجه
أوجه الإنفاق
التى نسأل عنها كثيرة كما يقول المثل الدارج من الإبرة للصاروخ ، نعم نحن نسأل عن
إنفاق الأسرة خلال ستة أشهر ماضية ، عن كل مشترواتها من الإبرة للصاروخ وأسعار تلك
المشتروات وكمياتها ، هنا لابد من التحايل ، نحن نسأل كى نعرف الأسعار من فم
الأسرة لا من تاجر تجزئة يراوغنا ، ولا من تاجر جملة يزيد علينا سعر الدولار
الصاعد بسرعة الصاروخ ، هنا فقط ، من الأسر المطحونة بغلاء الأسعار نسأل عن ثمن كل
شئ ، البحث لم يترك لنا أن نجتهد فى السؤال عن السلع ، بل رص لنا كل ما نحتاج
السؤال عنه ، فى صفحات متتالية ومرتبة حسب
القيمة من الأغلى سعرا أو من الأعلى قيمة كالسيارات وحتى نصل إلى مشبك الغسيل
والصغير من الأشياء التى تحتاجها الأسرة حتى مستلزمات الحمام والفوط الصحية
والبامبرز
كل أسرة عندما
ندخلها ونعرف البيانات الأساسية عنها وعدد أفرادها وأعمارهم تأتى المهارة فى
السؤال عما يخص كل فئة عمرية من الطفل الرضيع وحتى الشيخ المسن واحتياجات كل منهم
الضرورية حتى علب المناديل الورقية ، وإن كانت الزوجة قد وضعت حملها قريبا ،نضيف
مستلزمات الطفل من مصاريف الوضع وغيرها ، وكنا نتسائل كيف يتم حساب هذه الأوضاع
المستجدة والتى نادرا ما نصادفها فى أسرة ما فكيف نعمم تلك العينة بمصاريفها على
باقى الأسر ونعود فنرد على أنفسنا بأن هذه الحسابات لها متخصصيها ونصمت .
إقرأ أيضا: يوميات باحث ميداني -الفصل الثاني
*الحرمان
******
الحرمان كلمة عميقة وصفها جارح بكل المقاييس ودائما
عندما نتلفظ بها نقصد الحرمان المادى ، وهذا شيئ طبيعيّ في عصرنا السوقيّ – أقصد من الناحية
الاقتصادية –أن يتبادر إلى أذهاننا فورًا فكرة الحرمان المادي كأول خاطرة ، لأننا
نعيش في عصر الاقتصاد وحضارة السوق
ولكن هنا أقصد كل أنواع الحرمان التى صادفتنا على
الصعيد المادى والنفسى والإجتماعى والجسدى ، والجنسى ، تنوع لا يمكن أن نجده جملة
واحدة إلا بمعايشة هذا الكم الهائل من الأشخاص ، وهذا العدد الكبير من الشكايا ، فأقل
الحرمان هو هذا الحرمان المادى أو نقص المال أو ندرته فقد يعيش المرء بجنيهات قليلة ، كسرة خبز وبعض المش القديم تكفى
، هكذا علمنا أجدادنا كما قال المثل (إذا وجد العيش فالغموس بغددة ) ، وأقسى ما
رأينا من الحرمان هو ذلك الذى يترك المرأة صحراء قفر لا زرع فيها ولا ماء ، لا روح
تعبد الله ولا صدى يردد كلمات الله ، (الحب ، الخير ، السلام ، الإيمان ) التى جُبلت
عليها البشرية فى وصايا آدم وحواء التى لم يعمل بها ألأبناء ولكنهم أورثونا القتل
وما يؤدى إليه من فرقة وحقد وكراهية نمّاها البشر على مر العصور فاصبحت سمت للحياة
اليومية ، عايشناها على مدار عام كامل ، لم نجد الإبتسام فيها إلا نادرا ، ودائما
ما يأتى بعد حرمان طويل ، فتلك الفرسة كما أطلقت عليها أمها حرمت أعواما من
الإنجاب ، تزوجت وطُلقت بسببه ، ثم يشاء الكريم أن تتزوج مرة أخرى ، البيت الذى تزوجت به لا يفصله عن طليقها سوى
جدارين اثنين ، ويفصلهما عن روحيهما أزمنة وجدران ، تزوجت الرجل البكر وهى المطلقة
، وتحمّل معها رحلة الأطباء الطويلة لأعوام ، كان طليقها وأبن عمتها قد تزوج وأنجب
، ويشاء القدير الذى إذا منح ذهلت العقول بعطاياه ، ومن محاسن الصدف التى لا
نقابلها إلا نادرا فتكون فرحة المبحوث سببا للقائنا بالترحاب الذى كنا نأمله على
عتبة كل بيت نطرقه ، وأن تساعدنا تلك الفرحة فى تلقى البيانات كما نريد ، أول
زيارة قالت ربنا يجعل وشك حلو علىّ ، أنا رايحة للدكتور أعرف آخر النتائج ،
وبالفعل كانت الزيارة الثانية، عرفت الفرحة من على بعد ،سبقتها الزغاريد فى بيت
ألأم التى إرتاح بالها أخيرا وكأنها هى التى تنتظر هذا الفرج ، وكأن الجنين زرع فى
أحشائها هى لا ابنتها ، ومن هذه اللحظة بدأت الحكاية حكاية أبن العمة ، وضروب
الحزن التى سارت فيها أعواما ، ثم أعقبها بئر محبة امتلأ على آخره حتى فاضت ماؤه وملأت
بطنها الخاوى بنبت جديد .
الحرمان عبارة مطاطة ، مكتوبة على باب كل بيت ندخله فتلك
التى قالت :
رضيت بنصيبى وصبرت عليه ولكن القدر يضمر لى أشياء أخرى ،
ضيعت شبابى وجمالى كى أتبع الأصول ، أصول بنات الناس التى تربت على حفظ البيت
والمال والولد والعرض ، تساعد وقت الشدة ، وتكون رجلا وقت المحن ،لكن الضباع لا
أمان لها تنهش الضحية حتى آخر رمق فيها وتتركها عظام بالية لا دواء يشفيها ولا
وصفة ساحر ولا رؤيا عرافة ، قلب مكسور لا يجبره سوى موت قريب ، لقد رأيت الحب فى
عيونه ، ورأيت نظرته التى تشع وهجا ولمعانا ، قد يبتلينا الله بالمحن إختبارا نجد
له مع الأيام دواء ، ولكن محن العاشقين لا يداويها إلا إلتقاء عاشقين فى سرائر
المحبة ، وامتزاج الروح بالروح والجسد بالجسد والأنفاس بالأنفاس جملة واحدة ، هو
ليس ضبعا ولكنه محب لدرجة الشقاء، كسر ضلوعى ضلعا ضلعا وارتميت أنا تحت رجليه وتمسحت
به كقطة تخشى أن تطرد من المنزل لأنها لم تعد تطارد الفئران الساكنة فى بيت الخزين
، لم أرجوه أن يبتعد عنها ولم أتنازل عن كبريائى التى ورثتنى المتاعب وتركتنى أنزح
أبيار المخلفات من البيوت كى أواصل عيشتى ، لم أجد فى العمل عيبا وإنما وجدت فى
التذلل له كل العيب ، لم أطلب منه الطلاق، بنات الأصول لا يطلبن الطلاق وإنما
يفضلن الموت عليه ،وصفنى ذات مرة لصديقه وكنت أسترق السمع من خلف الشباك ، لعلة
كان يشتكى منى ، ولكنه يعدد محاسنى كالمجبور على بضاعة ، قائلا:
بياضها زى شق
اللفت قلبه مسكر لكن متعرفش تاكله إلا وهو حادق ، مجسمة ومتقسمة لكن مبتعرفش تتلوى
زى البنات ، عيونها واسعة لكن على طول مغمضاها بتختشى زى البكر اللى لسة بيخطبوها
إقرأ أيضا: يوميات باحث ميداني الفصل الثالث
هكذا
وصفنى ، يومها كنت أطير من السعادة فكل ما جال بخاطرى أنه يمدحنى ويحبنى ،لا بل
يعشقنى ، لم أدرك أنه يُتبع الصدقة بالمن والأذى ، أتسائل الأن ماذا رأى فيها أو
سمع عنها ، وأنا التى أعرف عنها كل شئ فهى تسكن بالجهة الأخرى من السكة الحديد ،
أراها بالسوق تحادث الباعة من الرجال والنساء بصوت مرتفع ، وبنات الأصول دائما
خفيضى الصوت ، يغازلها بائع فتضحك بمياعة ، وبنات الأصول لا يضحكن مع الغريب ، تلبس ما يفضح دون أن يشف ، وبنات ألاصول يلبسن
الثياب الفضفاضة حتى يحتفظن بجواهرهن لأزواجهن فقط ، كنت أحبه أعترف بكون حبى له
هو السبب فيما أنا فيه، لماذا لم أفر
وأترك إبنتى وولدى له كى يشقى بهم وأذهب أنا إلى الكوافير وأصفف شعرى وأصبغه
وأتركه يتدلى على كتفى واقف فى البلكون كى أغيظه ، كما تفعل هى كل يوم ليراها
الغادى والرائح ويلقى إليها بالسلامات والمحبات والكلام المعسول المفضوح منه
والموارى ، ولكنى آثرت تركه لها ، والتفرج على حياتهما من بعيد ، لم أطالبه يوما
بمال أنفقه لأنه لم يملك بيده مالا كى يعطينيه ، فهى التى ملكت روحه وماله وجسده إقرأ أيضا:يوميات باحث ميداني الفصل الرابع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق